ياسر بركات يكتب : الجنرال يلعب مع الكبار .. نشر المكالمات السرية بين الفريق السيسي وتشاك هيجل
لم تكن مفاجأة أن تخصص مجلة النيوزويك الأمريكية غلافها الأخير للجنرال المصري عبدالفتاح السيسي الذي وصفته بالجنرال الهادئ، فرغم ما يبدو من اعتراض أمريكي علي الموقف المصري ورغم تصريحات الرئيس الأمريكي باراك أوباما التي بدت وكأنها نهاية العلاقات الأمريكية المصرية إلا أن الكواليس خلف هذا المشهد السطحي كانت غير ذلك تماما، فمن المعروف أن الرئيس الأمريكي ليس هو الولايات المتحدة الأمريكية وليس سوي رجل يجلس علي منصب الحاكم لمدة ولاية أو ولايتين علي الأكثر لكن المؤسسات الأمريكية خاصة وزارة الدفاع لا ترتبط بشخص يحكم أمريكا لكنها تمثل مع أجهزتها الاستخباراتية هيكلا متكاملا يضع سياسات أمريكا ويحدد مساراتها، لذلك فإن الصحف والمجلات الأمريكية كانت تعبيراً عن هذه المؤسسات الكبري وهي تنظر إلي الجنرال المصري الجديد نظرة تبجيل واحترام، فمنذ أن ظهر علي الساحة وهو يشغل المحللين والدارسين الأمريكان نظراً لما يتمتع به من خصوصية غير معهودة تضع مسارات مختلفة لشكل العلاقات المصرية-الأمريكية، ومنذ أعلن الفريق عبدالفتاح السيسي الانحياز لصوت الجماهير المصرية ووضع مظلة لحماية إرادته مكونة من القوات المسلحة.. والأوضاع في أمريكا تتخبط غير قادرة علي تفسير مواقف هذا الرجل الذي لم يستأذن أحداً وهو يقود الشعب المصري نحو مستقبل مختلف رافضاً سياسات الرئيس المعزول.. اعتاد الأمريكان علي أن تبدأ كل الخطوات من البيت الأبيض وتنتهي هناك أيضاً، لكن الجنرال المثقف رفض هذا المنهج وأثار غضب الرئيس الأمريكي الذي اضطر إلي تسجيل كلمة لم تستغرق الخمس دقائق أعلن خلالها وقف مناورات النجم الساطع مع مصر ظنا منه أن ذلك قد يؤثر علي موقف الجيش المصري الذي وضع خارطة طريق لمستقبل بلاده، وأنهي باراك كلمته وجلس منتظراً تراجعاً في الموقف المصري، لكنه فوجئ بأن كلمته لم تترك سوي المزيد من الكراهية المصرية له ولدولته التي فقدت بريقها القديم ولم تعد تؤثر، بل علي العكس هلل المصريون وطالبوا بقطع العلاقات الأمريكية نهائياً وسهروا ليلة كاملة يكتبون التعليقات الساخرة علي صفحة الرئيس الأمريكي.
علي الجانب الآخر كانت وزارة الدفاع الأمريكية التي تدرك جيداً حجم مصر ودورها ومكانتها وتملك تقارير عن مكانة جيشها في قلوب المصريين تسعي لاسترضاء الفريق السيسي، وكما جاء تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي من قبل عقب ثورة 30 يوليو لتوضيح موقف وزارته من جيش مصر، سعي مجدداً للاتصال بالفريق السيسي عقب كلمة أوباما ليوضح له أن العلاقات العسكرية بين أمريكا ومصر لن تتأثر بالرئيس الحالي وأن أوباما لا يمثل سوي جزء من السلطة فقط، لكن السيسي أجابه بأن مصر لا تحتاج فعليا للمعونة الأمريكية التي تبيح لأشخاص مثل أوباما أن يحاولوا ممارسة الوصاية علي مصر وهو ما أجاب عليه تشاك هيجل بحديث حول تراتبية اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية وأن البنتاجون علي مسافة واضحة من الرئيس الأمريكي فيما يخص الشأن المصري لكن السيسي الذي اعتذر عن اضطراره لاختصار المكالمة بسبب متابعته للأحداث الجارية في مصر أوضح قبل أن ينهي المكالمة أنه يتعجب من أن يأتي من بني حضارته فوق الآلاف من جثث الهنود الحمر ليمارس دور الحكيم مع شعب يحتاج السيد أوباما لأن يقضي ما بقي من حياته بعد الخروج من الرئاسة لدراسة تاريخه.
وفيما يخص مسألة المعونة الأمريكية لمصر أوضح السيسي لتشاك هيجل أن مسألة المعونة حاليا محل بحث بينه وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة حول جدواها ومدي احتياج القوات المسلحة المصرية، وفوجئ تشاك هيجل بردود الجنرال المصري الذي لم يبدُ متلهفاً علي الإبقاء علي المعونة أو خائفاً من قطعها، وكما يفعل الكبار دائماً أنهي الفريق المكالمة مع وزير الدفاع الأمريكي وقد استراح إلي رؤيته التي وضعها مبكراً وقبل أن يصطدم بقرارات أمريكية قد تؤثر علي مواقفه، درس الجنرال المصري الموقف جيداً وتوقع قيام الأمريكان باستخدام الورقة الشهيرة والتي هددوا بها كل من سبق الفريق السيسي الذي قرر مبكراً تغيير قواعد اللعبة بحيث تصبح المعونة عنصر ضغط في الاتجاه العكسي، فبينما كانت المعونة العسكرية الأمريكية عنصر ضغط علي كل الإدارات المصرية السابقة نجح السيسي في جعلها عنصر ضغط علي الإدارة الأمريكية مع تسريب أنباء عن صفقات سلاح روسية لمصر ومباحثات سرية مع الصين حول تصنيع بعض قطع الغيار التي يحتاجها الجيش المصري لصيانة المعدات الأمريكية في نفس الوقت الذي طور فيه السيسي خلال العام الجاري عدداً من المصانع الحربية المصرية للقيام بتصنيع قطع الغيار تلك دون النظر إلي موافقة أمريكا من عدمه في استفزاز واضح للإدارة الأمريكية ليصل معها إلي الحد الفاصل وهو مناقشة قطع المعونة العسكرية عن مصر، وقبل أن يتطور الوضع إلي هذا الحد كان السيسي متأكداً من انتصاره في التصويت ضد قطع المعونة ليبدأ في المرحلة القادمة مزيداً من المساومات فهو يريد أن يتصرف في المعونة الأمريكية بمزيد من الحرية ليشتري بالمعونة الأمريكية أسلحة من الصين وروسيا وكوريا وغيرهم في الوقت الذي يرسل الكثير من الأخبار التي تأتي في إطار التهديدات عن توجه مصري واضح نحو روسيا كمصدر للسلاح سواء وافق الأمريكان علي شروطه من عدمه بينما يطمئن تماماً إلي حاجة الأمريكان الماسة للتدريبات المشتركة مع الجيش المصري ومن ناحية أخري فإن أوباما قدم له مجاناً ورقة ضغط أخري عندما تعهد بإنهاء الأمر بين إسرائيل والفلسطينيين خلال فترة محددة.
علي الجانب الآخر وقف الرئيس الأمريكي مذعوراً أمام تصرفات غير متوقعة من الجنرال المصري، فقد كان أوباما يحاول توديع البيت الأبيض مع «إنجاز ما» قد يسمح لحزبه بالحصول علي فرص في الانتخابات الرئاسية القادمة ولم يكن أمامه بعد تطورات الأوضاع سوي التسوية الإسرائيلية الفلسطينية، وبينما يسخر السيسي بشدة من أي إمكانية لممارسة الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي أي شكل من أشكال العقوبات ضد مصر فإنه يعلم تماماً أن أي قمع سيواجه به الإسلاميين في مصر لن يشكل تهديداً للاقتصاد المصري مع التعهدات الخليجية بحماية الجانب الاقتصادي المصري وممارسة أقصي أنواع الضغط سواء علي الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي الذي يلوم أوباما كثيراً علي ما وصل إليه سعر البترول حالياً.
وبعد ساعات من مكالمة تشاك هيجل كانت رؤية الجنرال المصري تتحقق سريعاً، فقد جاء الموقف الأمريكي بمثابة الهدية الكبري لمصر وشعبها، وتحققت رؤية الفريق السيسي فور الإعلان التاريخي لمواقف الدول العربية الشقيقة بداية من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والأردن والكويت، وهي المواقف التي لم تكن متوقعة لكثيرين باستثناء الجنرال المصري الذي كان يثق في ذكاء الأشقاء العرب وفي رهانهم علي مستقبل أفضل لبلادهم بعيداً عن الضغط الأمريكي، ولاشك أن محاولات الأمريكان الضغط علي مصر كان جرس إنذار كشف عن صمود مصري أصيل وأعطي للأشقاء دفعة قوية كي يرفعوا أياديهم اعتراضا علي موقف الأمريكان تجاه الشقيقة الكبري مصر، وحدث ما لم يتخيل أوباما أن يحدث وتوحدت كلمة العرب من جديد في موقف تاريخي يستحق التأمل والتوقف طويلاً.
البنتاجون يوبخ «أوباما»: لا تضع أمريكا في مواجهة مع المصريين
سوف يندم أوباما طويلاً علي كلمته المسجلة التي وضعت المؤسسات الأمريكية في موقف لا تحسد عليه، فالصدمات التي تلاحقت عليه لم تتوقف عند حدود الاتصالات بين تشاك هيجل والفريق السيسي، بل تجاوز الأمر حدود ذلك إلي تقارير سرية تم تسريبها بصورة تراها إدارة أوباما متعمدة لإعلاميين وأعضاء في الكونجرس الأمريكي وهو ما تراه إدارة أوباما شكلاً من أشكال ضغط البنتاجون علي الرئيس الأمريكي لإثنائه عن فعل أي شيء عسكري تجاه تلك الأزمة في الوقت الذي يصرح كثير من العسكريين الأمريكيين بأن «أوباما» قد أصبح جزءاً من الأزمة وليس وسيطاً مؤهلاً لحلها أو التعامل معها، فقد أصدر البنتاجون تقريراً تسلمه أوباما تحدث عن معطيات محددة وبصورة شديدة الواقعية والتعنيف علي كلمته التي أعلن خلالها وقف مناورات النجم الساطع مع مصر، وأوضحت التقارير أنه إذا كان التحرك الأمريكي علي الأرض سيتم تحت شعار حماية الأقليات والمضطهدين ومن بينهم تيار الإسلام السياسي فإن ذلك قد يكون مستفزاً للغاية لقطاعات عنيفة من الشعب المصري حافظت علي صمتها حتي اللحظة لكن قد تخسر الإدارة الأمريكية حلفاءها من الإسلاميين علي الأرض ضمن موجة تصفية جسدية عنيفة للغاية لا يمكن أن يتدخل فيها أحد سواء من القوات المصرية الأمنية أو حتي من القوات التي ستعمل تحت علم الأمم المتحدة.
وتناولت التقارير متوسط السن للمصريين خاصة بين الذكور وحددت عدد القادرين علي حمل السلاح داخل مصر بعشرة ملايين من الذكور سبق لأكثر من ستة ملايين منهم التدرب عليه ضمن نطاق الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش المصري ثم تطرق لأنواع السلاح التي يمكن للمصريين الحصول عليها خارج نطاق القانون فأوضح أنه في مصر لم يعد هناك احتكار للسلاح خاصة بعد تسرب أسلحة الجيش الليبي إلي الأراضي المصرية وأن هناك الكثير من المصريين بمقدورهم الحصول علي السلاح سواء بشرائه أو بالحصول علي أنواع منه مصنعة محليًّا لن تكون مواءمة لاستخدامات الأفراد في مواجهة القوات النظامية لكنها ستوقع الكثير من الخسائر.
وأضاف التقرير أنه إذا ما أخرجنا الجيش المصري من المعادلة فإن الأمر لن يتغير كثيراًً موضحا أن الجيش المصري تدرب كثيراً خلال العام الماضي علي تكنيكات حرب العصابات وحروب المدن والعمل ضمن ظروف لا تضمن القدرة علي التواصل مع القيادات عبر الوسائل المألوفة وتمت خلال الفترة القليلة الماضية زيادة أعداد القوات الخاصة بأنواعها وهو ما يعني أننا لو قررنا توجيه ضربات مؤلمة لنظم القيادة والسيطرة فإن ذلك لن يعني أننا سنستطيع الحفاظ علي قواتنا علي الأرض.
وأوضح التقرير أنه سيكون بمقدور المصريين دون الاعتماد علي الجيش أن يمارسوا الحرب ضد وجود أي قوات عسكرية نظامية هناك علي مدار الساعة ولفترة غير محدودة وأنه لن يكون هناك مكان يمكن التعامل معه باعتباره «منطقة خضراء» فحتي شبه جزيرة سيناء ستشهد تطاحناً من العديد من الأطراف وسيكون علينا منع أعداد غفيرة من المصريين المتحمسين من العبور إلي سيناء بينما سيكون علينا أن نتحمل عمليات ضد قواتنا في كل مكان ولن يكون بمقدور قواتنا أن تعتمد بأي شكل من الأشكال علي تأييد دولي لفترة طويلة خاصة إذا ما تمكن بعض المتحمسين من تعطيل الملاحة في القناة وهو ما لا يمكن الحول دون حدوثه في حالة الإصرار عليه.
وأنهي التقرير تقديره للموقف بأن التورط في مصر عسكرياً سيجعل من حرب فيتنام نزهة عسكرية مقارنة بما سينتظر القوات التي يمكن الدفع بها إلي الميدان فعلي الأرض في فيتنام كان هناك من يحارب إلي جانبنا لكن في مصر فإن الأمر سيختلف كثيراً وتيار الإسلام السياسي ليس بالقوة التي يبدو عليها من حيث العدد والقدرة علي الحركة والشعبية لذلك فإننا سنكون بمفردنا علي الأرض في مواجهة قدرة هائلة علي استدعاء ملايين ممن يريدون مواجهة الجنود الأمريكيين علي الأرض وهو ما سينتهي في النهاية بخروجنا من هناك بشكل أو بآخر وفي تلك الحالة فإننا لا نتوقع أن يكون من يحكم مصر بعد ذلك نظاماً مدنياً بأي صورة من الصور كما لن يكون نظاماً صديقاً وسيعمل بكل قوته علي تقويض ليس نفوذنا فقط في المنطقة ولكن وجودنا ذاته وقد يكون ذلك بتهديد إمدادات النفط وحركة المرور في القناة أو باستهداف قطعنا البحرية المنتشرة في المتوسط والذي سيصبح «بحيرة معادية» كما أن قدرتنا علي التحرك الآمن في المضايق المائية ستكون مهددة طوال الوقت.
تقرير البنتاجون الذي تري إدارة أوباما أنه تم تسريبه عمداً أحبط الكثير من آمال الإدارة الأمريكية التي حركت بالفعل الإسلاميين علي الأرض في مصر نحو تنفيذ ما وجدته ملائماً لمنحها الفرصة علي التدخل بينما عبرت وزارة الخارجية الأمريكية لأوباما عن خشيتها من تواري دور المعتدلين داخل الحكومة المصرية الحالية لصالح الصقور معززين بضغط شعبي متزايد.
ويبدو أن ما تبقي من ولاية أوباما الثانية لن تكون سعيدة علي الإطلاق فبصرف النظر عن فشل المشروع الأمريكي في عهده فإن سقوط التيار الإسلامي في مصر سيفتح الباب لسقوط نفس التيار في مناطق مختلفة من المنطقة وسيدفع بشدة تجاه حالة من العداء والشك تجاه أمريكا التي لم تعد تملك الكثير من البريق الذي يغطي نواياها ولم تعد قادرة علي الظهور بمظهر الصديق علي الأقل بالنسبة لشعوب المنطقة التي يبدو أنها ستكون صاحبة الكلمة الأخيرة فيما يخص النفوذ الأمريكي في المنطقة.الموجز
علي الجانب الآخر كانت وزارة الدفاع الأمريكية التي تدرك جيداً حجم مصر ودورها ومكانتها وتملك تقارير عن مكانة جيشها في قلوب المصريين تسعي لاسترضاء الفريق السيسي، وكما جاء تشاك هيجل وزير الدفاع الأمريكي من قبل عقب ثورة 30 يوليو لتوضيح موقف وزارته من جيش مصر، سعي مجدداً للاتصال بالفريق السيسي عقب كلمة أوباما ليوضح له أن العلاقات العسكرية بين أمريكا ومصر لن تتأثر بالرئيس الحالي وأن أوباما لا يمثل سوي جزء من السلطة فقط، لكن السيسي أجابه بأن مصر لا تحتاج فعليا للمعونة الأمريكية التي تبيح لأشخاص مثل أوباما أن يحاولوا ممارسة الوصاية علي مصر وهو ما أجاب عليه تشاك هيجل بحديث حول تراتبية اتخاذ القرار في الإدارة الأمريكية وأن البنتاجون علي مسافة واضحة من الرئيس الأمريكي فيما يخص الشأن المصري لكن السيسي الذي اعتذر عن اضطراره لاختصار المكالمة بسبب متابعته للأحداث الجارية في مصر أوضح قبل أن ينهي المكالمة أنه يتعجب من أن يأتي من بني حضارته فوق الآلاف من جثث الهنود الحمر ليمارس دور الحكيم مع شعب يحتاج السيد أوباما لأن يقضي ما بقي من حياته بعد الخروج من الرئاسة لدراسة تاريخه.
وفيما يخص مسألة المعونة الأمريكية لمصر أوضح السيسي لتشاك هيجل أن مسألة المعونة حاليا محل بحث بينه وبين المجلس الأعلي للقوات المسلحة حول جدواها ومدي احتياج القوات المسلحة المصرية، وفوجئ تشاك هيجل بردود الجنرال المصري الذي لم يبدُ متلهفاً علي الإبقاء علي المعونة أو خائفاً من قطعها، وكما يفعل الكبار دائماً أنهي الفريق المكالمة مع وزير الدفاع الأمريكي وقد استراح إلي رؤيته التي وضعها مبكراً وقبل أن يصطدم بقرارات أمريكية قد تؤثر علي مواقفه، درس الجنرال المصري الموقف جيداً وتوقع قيام الأمريكان باستخدام الورقة الشهيرة والتي هددوا بها كل من سبق الفريق السيسي الذي قرر مبكراً تغيير قواعد اللعبة بحيث تصبح المعونة عنصر ضغط في الاتجاه العكسي، فبينما كانت المعونة العسكرية الأمريكية عنصر ضغط علي كل الإدارات المصرية السابقة نجح السيسي في جعلها عنصر ضغط علي الإدارة الأمريكية مع تسريب أنباء عن صفقات سلاح روسية لمصر ومباحثات سرية مع الصين حول تصنيع بعض قطع الغيار التي يحتاجها الجيش المصري لصيانة المعدات الأمريكية في نفس الوقت الذي طور فيه السيسي خلال العام الجاري عدداً من المصانع الحربية المصرية للقيام بتصنيع قطع الغيار تلك دون النظر إلي موافقة أمريكا من عدمه في استفزاز واضح للإدارة الأمريكية ليصل معها إلي الحد الفاصل وهو مناقشة قطع المعونة العسكرية عن مصر، وقبل أن يتطور الوضع إلي هذا الحد كان السيسي متأكداً من انتصاره في التصويت ضد قطع المعونة ليبدأ في المرحلة القادمة مزيداً من المساومات فهو يريد أن يتصرف في المعونة الأمريكية بمزيد من الحرية ليشتري بالمعونة الأمريكية أسلحة من الصين وروسيا وكوريا وغيرهم في الوقت الذي يرسل الكثير من الأخبار التي تأتي في إطار التهديدات عن توجه مصري واضح نحو روسيا كمصدر للسلاح سواء وافق الأمريكان علي شروطه من عدمه بينما يطمئن تماماً إلي حاجة الأمريكان الماسة للتدريبات المشتركة مع الجيش المصري ومن ناحية أخري فإن أوباما قدم له مجاناً ورقة ضغط أخري عندما تعهد بإنهاء الأمر بين إسرائيل والفلسطينيين خلال فترة محددة.
علي الجانب الآخر وقف الرئيس الأمريكي مذعوراً أمام تصرفات غير متوقعة من الجنرال المصري، فقد كان أوباما يحاول توديع البيت الأبيض مع «إنجاز ما» قد يسمح لحزبه بالحصول علي فرص في الانتخابات الرئاسية القادمة ولم يكن أمامه بعد تطورات الأوضاع سوي التسوية الإسرائيلية الفلسطينية، وبينما يسخر السيسي بشدة من أي إمكانية لممارسة الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي أي شكل من أشكال العقوبات ضد مصر فإنه يعلم تماماً أن أي قمع سيواجه به الإسلاميين في مصر لن يشكل تهديداً للاقتصاد المصري مع التعهدات الخليجية بحماية الجانب الاقتصادي المصري وممارسة أقصي أنواع الضغط سواء علي الإدارة الأمريكية أو الاتحاد الأوروبي الذي يلوم أوباما كثيراً علي ما وصل إليه سعر البترول حالياً.
وبعد ساعات من مكالمة تشاك هيجل كانت رؤية الجنرال المصري تتحقق سريعاً، فقد جاء الموقف الأمريكي بمثابة الهدية الكبري لمصر وشعبها، وتحققت رؤية الفريق السيسي فور الإعلان التاريخي لمواقف الدول العربية الشقيقة بداية من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات والأردن والكويت، وهي المواقف التي لم تكن متوقعة لكثيرين باستثناء الجنرال المصري الذي كان يثق في ذكاء الأشقاء العرب وفي رهانهم علي مستقبل أفضل لبلادهم بعيداً عن الضغط الأمريكي، ولاشك أن محاولات الأمريكان الضغط علي مصر كان جرس إنذار كشف عن صمود مصري أصيل وأعطي للأشقاء دفعة قوية كي يرفعوا أياديهم اعتراضا علي موقف الأمريكان تجاه الشقيقة الكبري مصر، وحدث ما لم يتخيل أوباما أن يحدث وتوحدت كلمة العرب من جديد في موقف تاريخي يستحق التأمل والتوقف طويلاً.
البنتاجون يوبخ «أوباما»: لا تضع أمريكا في مواجهة مع المصريين
سوف يندم أوباما طويلاً علي كلمته المسجلة التي وضعت المؤسسات الأمريكية في موقف لا تحسد عليه، فالصدمات التي تلاحقت عليه لم تتوقف عند حدود الاتصالات بين تشاك هيجل والفريق السيسي، بل تجاوز الأمر حدود ذلك إلي تقارير سرية تم تسريبها بصورة تراها إدارة أوباما متعمدة لإعلاميين وأعضاء في الكونجرس الأمريكي وهو ما تراه إدارة أوباما شكلاً من أشكال ضغط البنتاجون علي الرئيس الأمريكي لإثنائه عن فعل أي شيء عسكري تجاه تلك الأزمة في الوقت الذي يصرح كثير من العسكريين الأمريكيين بأن «أوباما» قد أصبح جزءاً من الأزمة وليس وسيطاً مؤهلاً لحلها أو التعامل معها، فقد أصدر البنتاجون تقريراً تسلمه أوباما تحدث عن معطيات محددة وبصورة شديدة الواقعية والتعنيف علي كلمته التي أعلن خلالها وقف مناورات النجم الساطع مع مصر، وأوضحت التقارير أنه إذا كان التحرك الأمريكي علي الأرض سيتم تحت شعار حماية الأقليات والمضطهدين ومن بينهم تيار الإسلام السياسي فإن ذلك قد يكون مستفزاً للغاية لقطاعات عنيفة من الشعب المصري حافظت علي صمتها حتي اللحظة لكن قد تخسر الإدارة الأمريكية حلفاءها من الإسلاميين علي الأرض ضمن موجة تصفية جسدية عنيفة للغاية لا يمكن أن يتدخل فيها أحد سواء من القوات المصرية الأمنية أو حتي من القوات التي ستعمل تحت علم الأمم المتحدة.
وتناولت التقارير متوسط السن للمصريين خاصة بين الذكور وحددت عدد القادرين علي حمل السلاح داخل مصر بعشرة ملايين من الذكور سبق لأكثر من ستة ملايين منهم التدرب عليه ضمن نطاق الخدمة العسكرية الإجبارية في الجيش المصري ثم تطرق لأنواع السلاح التي يمكن للمصريين الحصول عليها خارج نطاق القانون فأوضح أنه في مصر لم يعد هناك احتكار للسلاح خاصة بعد تسرب أسلحة الجيش الليبي إلي الأراضي المصرية وأن هناك الكثير من المصريين بمقدورهم الحصول علي السلاح سواء بشرائه أو بالحصول علي أنواع منه مصنعة محليًّا لن تكون مواءمة لاستخدامات الأفراد في مواجهة القوات النظامية لكنها ستوقع الكثير من الخسائر.
وأضاف التقرير أنه إذا ما أخرجنا الجيش المصري من المعادلة فإن الأمر لن يتغير كثيراًً موضحا أن الجيش المصري تدرب كثيراً خلال العام الماضي علي تكنيكات حرب العصابات وحروب المدن والعمل ضمن ظروف لا تضمن القدرة علي التواصل مع القيادات عبر الوسائل المألوفة وتمت خلال الفترة القليلة الماضية زيادة أعداد القوات الخاصة بأنواعها وهو ما يعني أننا لو قررنا توجيه ضربات مؤلمة لنظم القيادة والسيطرة فإن ذلك لن يعني أننا سنستطيع الحفاظ علي قواتنا علي الأرض.
وأوضح التقرير أنه سيكون بمقدور المصريين دون الاعتماد علي الجيش أن يمارسوا الحرب ضد وجود أي قوات عسكرية نظامية هناك علي مدار الساعة ولفترة غير محدودة وأنه لن يكون هناك مكان يمكن التعامل معه باعتباره «منطقة خضراء» فحتي شبه جزيرة سيناء ستشهد تطاحناً من العديد من الأطراف وسيكون علينا منع أعداد غفيرة من المصريين المتحمسين من العبور إلي سيناء بينما سيكون علينا أن نتحمل عمليات ضد قواتنا في كل مكان ولن يكون بمقدور قواتنا أن تعتمد بأي شكل من الأشكال علي تأييد دولي لفترة طويلة خاصة إذا ما تمكن بعض المتحمسين من تعطيل الملاحة في القناة وهو ما لا يمكن الحول دون حدوثه في حالة الإصرار عليه.
وأنهي التقرير تقديره للموقف بأن التورط في مصر عسكرياً سيجعل من حرب فيتنام نزهة عسكرية مقارنة بما سينتظر القوات التي يمكن الدفع بها إلي الميدان فعلي الأرض في فيتنام كان هناك من يحارب إلي جانبنا لكن في مصر فإن الأمر سيختلف كثيراً وتيار الإسلام السياسي ليس بالقوة التي يبدو عليها من حيث العدد والقدرة علي الحركة والشعبية لذلك فإننا سنكون بمفردنا علي الأرض في مواجهة قدرة هائلة علي استدعاء ملايين ممن يريدون مواجهة الجنود الأمريكيين علي الأرض وهو ما سينتهي في النهاية بخروجنا من هناك بشكل أو بآخر وفي تلك الحالة فإننا لا نتوقع أن يكون من يحكم مصر بعد ذلك نظاماً مدنياً بأي صورة من الصور كما لن يكون نظاماً صديقاً وسيعمل بكل قوته علي تقويض ليس نفوذنا فقط في المنطقة ولكن وجودنا ذاته وقد يكون ذلك بتهديد إمدادات النفط وحركة المرور في القناة أو باستهداف قطعنا البحرية المنتشرة في المتوسط والذي سيصبح «بحيرة معادية» كما أن قدرتنا علي التحرك الآمن في المضايق المائية ستكون مهددة طوال الوقت.
تقرير البنتاجون الذي تري إدارة أوباما أنه تم تسريبه عمداً أحبط الكثير من آمال الإدارة الأمريكية التي حركت بالفعل الإسلاميين علي الأرض في مصر نحو تنفيذ ما وجدته ملائماً لمنحها الفرصة علي التدخل بينما عبرت وزارة الخارجية الأمريكية لأوباما عن خشيتها من تواري دور المعتدلين داخل الحكومة المصرية الحالية لصالح الصقور معززين بضغط شعبي متزايد.
ويبدو أن ما تبقي من ولاية أوباما الثانية لن تكون سعيدة علي الإطلاق فبصرف النظر عن فشل المشروع الأمريكي في عهده فإن سقوط التيار الإسلامي في مصر سيفتح الباب لسقوط نفس التيار في مناطق مختلفة من المنطقة وسيدفع بشدة تجاه حالة من العداء والشك تجاه أمريكا التي لم تعد تملك الكثير من البريق الذي يغطي نواياها ولم تعد قادرة علي الظهور بمظهر الصديق علي الأقل بالنسبة لشعوب المنطقة التي يبدو أنها ستكون صاحبة الكلمة الأخيرة فيما يخص النفوذ الأمريكي في المنطقة.الموجز
0 التعليقات:
إرسال تعليق