أزمة بين أوباما و«البنتاجون» حول خطة غزو مصر
أثارت التصريحات التى أدلى بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى قناة «سى.إن.إن» الأمريكية حول مصر مؤخراً ردود أفعال عديدة، وتساؤلات متعددة حول حقيقة الموقف الأمريكى من الأحداث الحالية على الساحة المصرية. لقد حدد أوباما الموقف الأمريكى على النحو التالى: - أن قطع المساعدات الأمريكية عن مصر لن يجبر الحكومة الانتقالية المصرية على تغيير مواقفها، بما يعنى أن الأمر يحتاج إلى إجراءات أشد قسوة وعنفاً. - أن استمرار الأوضاع فى مصر وفقاً لما هو جارٍ يتعارض مع منظومة القيم الأمريكية وهو يقصد هنا قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. - أن الجيش المصرى فوّت الفرصة على إيجاد حل للأزمة الناشبة فى مصر، أى إن الجيش هو المسئول وليس جماعة الإخوان عن تطورات الأوضاع والعنف السائد فى البلاد حالياً. لقد جاءت تصريحات أوباما منافية للواقع، ومتعارضة مع الحقائق السائدة والمعروفة، والهدف هو إشعال الموقف، خاصة بعد نجاح الحكومة المصرية فى احتواء الموقف والحد من الاعتصامات والتظاهرات وأعمال العنف التى خططت لها جماعة الإخوان مستندة إلى دعم أمريكى وغربى بلا حدود. كانت التقارير الدبلوماسية تصل إلى القاهرة خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن هناك اجتماعات سرية عُقدت فى قبرص وألمانيا لتؤكد أن المخطط بدأ يأخذ خطوات جادة بحضور ممثلين عن أجهزة الاستخبارات فى كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وألمانيا وتركيا وقطر. وكانت الخطة تدور حول عدد من النقاط أبرزها: - تصعيد الموقف الداخلى عبر التظاهرات والاعتصامات وأعمال عنف تؤدى إلى سقوط المزيد من القتلى حتى يظل الموقف متوتراً وملتهباً، بما يمكّن من تنفيذ المخطط الدولى الذى ترعاه هذه الدول ويؤتى نتائجه. - أن كسب الوقت فى مصر فى ضوء استمرار هذه الحالة من شأنه أن يبقى القرار السياسى والاقتصادى المصرى فى حالة شلل. - السعى إلى إجهاض التحركات المصرية على الصعيدين العربى والدولى بما يساعد على حصار الدور الدبلوماسى المصرى ويجعله عاجزاً عن التأثير فى مواقف البلدان الرافضة لتطورات الأوضاع فى مصر. - أن قرار المواجهة الذى اتخذته الإدارة المصرية بفض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة مؤخراً كان مفاجأة غير متوقعة للدول المشاركة، خاصة أن كافة التقارير السابقة أكدت أن الإدارة المصرية لن تجرؤ على فض الاعتصامين فى ضوء المواقف والضغوط الدولية التى كانت تمارَس ضد مصر. - أن رهان الغرب على مواقف الأقباط المصريين كان رهاناً خاسراً، خاصة أن موقفهم تعارض مع مواقف الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى بتأييدهم للإدارة الانتقالية ورفضهم الرد على الأحداث التى شهدتها البلاد والتى أدت إلى حرق العشرات من الكنائس والأديرة، حيث كانت الدول الغربية تراهن على موقف الأقباط بطلب الحماية، إلا أنه رغم الاتصالات التى جرت معهم، رفضوا بكل قوة الرد على الإجراءات التى اتُخذت ضدهم، وعارضوا أى شكل من أشكال التدخل الخارجى، كما أنهم بدأوا فى تحريض الكنائس الأمريكية والغربية على دعم الإدارة الانتقالية فى مصر. - أن لجوء جماعة الإخوان وحلفائها فى تصعيد أحداث العنف واستخدام الإرهاب وسيلة ضد المجتمع ومؤسساته المختلفة كان له أبلغ الأثر فى تراجع المخططات الدولية، وإرباك حساباتها، حيث بدت التصرفات الإخوانية على الساحة المصرية وكأنها تشبه التصرفات القبلية الهمجية فى الهجوم بلا حساب وسوء التخطيط وهو ما أدى إلى إفشال فرص كانت متاحة فى ظل حكومة كانت مترددة فى اتخاذ القرار فى هذا الوقت. - أن مراجعة الموقف الغربى والأمريكى بات ضرورة الآن على أن يستند إلى إعادة توحيد وتنسيق المواقف بإشراف موحد. كان هذا هو اللقاء الثالث من سلسلة الاجتماعات التى جرى عقدها فى القاعدة البريطانية فى قبرص وألمانيا والتى أعقبت نجاح الثورة المصرية.. حيث عقدت الاجتماعات فى 2 و8 أغسطس وفى قبرص فى 16 أغسطس فى ألمانيا. إن ذلك الأمر أعاد إلى الأذهان طرح السؤال عن حقيقة الارتباك الذى يسود دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة، وعما إذا كانت واشنطن عازمة بالفعل على تنفيذ هذا المخطط فى ضوء المعارضة الشديدة للعديد من هذه الدوائر وأبرزها: - موقف الخارجية الأمريكية: مع بداية الثورة كانت الخارجية الأمريكية تعظم فى تصريحاتها من التحرك الشعبى المصرى، وتقلل من الحديث عن «الانقلاب» وذلك فى محاولة منها لامتصاص ما يحدث فى مصر، إلا أنها وبعد فشل كافة المبعوثين الأمريكيين والغربيين إلى مصر أصبح موقف الخارجية الأمريكية واضحاً ومعلناً ومنسجماً مع الموقف المتطرف لمستشارة الأمن القومى الأمريكى وبدأ «جون كيرى» وزير الخارجية وبالتنسيق مع مستشارة الأمن القومى «سوزان رايس» فى مطالبة الرئيس أوباما بالبدء فى إعلان العقوبات على مصر بدءًا بقطع المعونات والمساعدات وصولاً للتدخل العسكرى، وهو موقف لعب فيه الأتراك والقطريون دوراً مهماً علنياً وسرياً بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بأن ما حدث فى مصر كان «انقلاباً عسكرياً»!! 2- موقف الـ«سى. آى. إيه» أما عن موقف وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ«سى. آى. إيه» فقد جاء متفقاً مع موقف الخارجية الأمريكية والأمن القومى فيما يتعلق بوقف المعونات والمساعدات والنشاطات العسكرية المشتركة مع مصر إلا أنه أبدى الحذر من التدخل العسكرى الأمريكى ضد مصر بأى شكل من الأشكال، وعدم النظر لموقف مصر بمفردها، بل لدول المنطقة جميعاً والعالم أيضاً، على اعتبار أنه لو حدث أى تدخل عسكرى فى مصر فإن كافة الأوراق ستتداخل وطبيعة التحالفات ستتغير وستكون المصالح الأمريكية فى خطر، ولا بد من إعداد جبهة عالمية واسعة تغطى مثل هذا التدخل لو حصل، وعلى ما يبدو حتى الآن فإن ذلك غير ممكن فى مصر، وأنه إذا كانت واشنطن قد نجحت فى تشكيل أكبر تحالف عالمى ضد العراق مكّنها من الغزو والتدخل العسكرى المباشر، إلا أن واشنطن لن تجد من يقف معها أو يغطيها فى أى عدوان على مصر مهما كان نوعه أو شكله. ثالثا: موقف وزارة الدفاع أمام هذه الخارطة المعقدة، لجأ الرئيس الأمريكى «أوباما» إلى «البنتاجون» للبحث فى إمكانية اتخاذ قرار بالعقوبات المتدرجة والمتصاعدة على مصر والتفكير لاحقاً بشكل من أشكال التدخل العسكرى المباشر. لقد جاء طلب الرئيس أوباما بعد أن فشلت الإدارة الأمريكية فى إثناء قيادة الجيش عن موقفها الرافض للتجاوب معها، خاصة بعد أن أدركت إدارة أوباما أن تأثيرها وسيطرتها على القرار المصرى آخذة فى التلاشى منذ نجاح ثورة 30 يونيو وأنها لا تستطيع فرض هيمنتها على القرار المصرى، خاصة أن رئيس الدولة المؤقت ورئيس الحكومة ووزير الدفاع يرفضون جميعاً سياسة الإملاءات الأمريكية، ويقولون: إن مصلحة مصر وشعبها هى الأساس. لقد بدأت الإدارة الأمريكية تنظر بريبة إلى الموقف العدائى للجيش وقائده العام الفريق أول السيسى تجاه السياسة الأمريكية، بزعم رفض التدخل الأمريكى فى الشئون المصرية. لقد جاء موقف «البنتاجون» على مطلب الرئيس أوباما على الوجه التالى: - إن كافة أهداف أمريكا ومصالحها فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية ستكون معرضة للخطر الحقيقى حال إقدام واشنطن على اتخاذ قرار بالتدخل العسكرى ضد مصر. وحدد «البنتاجون» هذه المخاطر من حيث الأهمية والترتيب على الوجه التالى: أولاً - أمن إسرائيل: أكد تقرير «البنتاجون» أن أمن إسرائيل سيكون معرضاً للخطر الحقيقى والعدوان من كافة الجبهات المحيطة بها بدءاً من مصر وسوريا ولبنان وغزة وربما الأردن مستقبلاً، ومن المجموعات «الجهادية» أينما وجدت، وسيكون ذلك بتغطية ودعم عربى شامل، كما أن دول الخليج الرئيسية لا يمكن أن تتعامل مع مصر، كما تعاملت مع العراق وسوريا. - أما إيران فسوف تستغل هذه الفرصة وتعمل على إشعال المنطقة وفقاً لمصالحها. وأشار التقرير إلى أن روسيا والصين ستقفان بلا تردد وبكل قوة إلى جانب مصر وتحالفاتها العربية، وسيكون هناك انشقاق فى الموقف الأوروبى، وستخسر الولايات المتحدة بعض حلفائها الأوروبيين الرئيسيين. - وهنا سيكون الجهد الذى حققته الولايات المتحدة فى فك عزلة إسرائيل وفرض وجودها فى المنطقة عبر اتفاقيات سلام معلنة وسرية مع دول عربية عديدة معرضاً للخطر، وسوف تزداد حدة الصراع فى المنطقة ضد إسرائيل، وستعود إسرائيل مجدداً إلى عزلتها فى المنطقة وسينظر إليها كدولة محتلة ومعادية ومارقة، كما أن ذلك من شأنه أن يجعل سوريا والعراق والخليج ولبنان وربما إيران وغيرها تقف صفاً واحداً خلف مصر. ثانياً - عرقلة الوصول الآمن لمصادر الطاقة والنفط: لقد أكد تقرير «البنتاجون» أن الوصول الآمن لكافة مصادر النفط والطاقة سوف يكون ضمن معادلة الخطر لأن كافة حاملات النفط ستكون فى مرمى النيران ومن جهات مختلفة وهو أمر من شأنه أن يعوق وصول الطاقة والنفط إلى دول الغرب والولايات المتحدة بشكل آمن. وإضافة إلى ذلك يرى التقرير أن هناك موقفاً متوقعاً من السعودية ودول الخليج، سوف يجرى بمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز حاكم السعودية سيكون شبيهاً بموقف الملك فيصل فى حرب أكتوبر 1973، ولكن هذه المرة بصورة أشمل وأكبر، وذلك بالإعلان عن وقف تصدير البترول وسيكون ذلك لفترة أطول عن تلك الفترة التى جرى بمقتضاها حظر البترول العربى فى عام 1973، وأن المتضرر الأكبر هذه المرة ستكون دول أوروبا، وأن إيران ستشارك أيضاً فى الحظر مما يجعل أوروبا رهينة للنفط والغاز الروسى. ثالثاً - مخاطر الملاحة الآمنة فى قناة السويس: أشار تقرير «البنتاجون» إلى أن الملاحة الآمنة فى قناة السويس أمر مستبعد فى ظل هذه الظروف الخطيرة والتداعيات التى ستنجم عن أى عدوان عسكرى حيث لا توجد ضمانة لأمن الملاحة والسفن العابرة للقناة مهما تم الحشد من القوات العسكرية لأن الأعمال الإرهابية لا يمكن مواجهتها بزيادة الحشود، بل بالعكس فإن زيادة الحشود العسكرية ستمكن جماعات الإرهاب من توجيه الضربات ونجاحها حيث ستكون القوات الأمريكية أكثر عرضة للاستهداف من خلال عمليات إرهابية انتحارية. وقال التقرير: «يجب أن نستذكر التاريخ جيداً، عندما دفعنا بأعداد كبيرة من قوات المارينز إلى لبنان فى القرن الماضى، وكيف أصبحت هذه القوات أهدافاً للقوى الإرهابية ومدى الخسائر التى لحقت بهذه القوات، مما دعا الإدارة الأمريكية لسحبها وبأسرع وقت ممكن، وكان هذا عنوان هزيمة واضحة للولايات المتحدة». وأشار التقرير إلى أن أمريكا لن تكون اللاعب الوحيد فى المنطقة، ولذلك فإن روسيا والصين وإيران لن تلتزم الصمت فى حال سيطرة الولايات المتحدة على قناة السويس، وستتحول الولايات المتحدة من دولة تسعى إلى استقرار المنطقة إلى دولة محتلة ستعانى إزاء ذلك طويلاً، هذا بالإضافة إلى أن الشعب الأمريكى لا يمكن أن يقبل أو يسمح أن تتحول بلاده إلى قوة غازية من أجل مصلحة وحماية الآخرين، خصوصاً أن الرئيس أوباما وصل إلى البيت الأبيض تحت شعار «سحب آخر جندى أمريكى يعمل خارج الولايات المتحدة الأمريكية والابتعاد ما أمكن عن التدخل المباشر فى مشكلات العالم عبر خوض الولايات المتحدة حروباً بالوكالة». رابعاً - مخاوف من ضياع السوق العربية كسوق مستوردة للسلاح الأمريكى: أشار التقرير الصادر عن «البنتاجون» إلى أهمية المحافظة على الأسواق العربية وأسواق دول منطقة الشرق الأوسط كأكبر مستورد لصفقات السلاح الأمريكى وأن العدوان العسكرى على مصر سيهدد هذه الأسواق، وستكون الصناعة العسكرية والصادرات الأمريكية فى مهب الريح، خصوصاً أن روسيا والصين أصبحتا مؤهلتين وبشكل كامل لمثل هذه الصفقات وهما ينافسان السلاح الأمريكى بجدية، بل وربما تنضم فرنسا إليهما أيضاً. أما الهاجس الأكبر الذى رصده تقرير «البنتاجون» فهو هاجس الصين، ذلك أن الصناعة الصينية أصبحت تغزو معظم الأسواق العربية وهناك رواج عالمى لها من حيث قدرتها على المنافسة مع البضائع الأمريكية والأوروبية من حيث الجودة والأسعار. وقال التقرير «إنه لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن معظم «كماليات» الجيوش العربية من ملابس وعتاد بسيط يجرى استيراده من الصين عبر تجار محليين يقومون باستيراده، وهذا الموقف تدعمه وتسانده روسيا لأن روسيا تنظر بإيجابية إلى دور اقتصادى صينى مكمل لدورها العسكرى والسياسى خاصة فى «الباسفيك»، ومع أن دولاً عربية عديدة ومنها دول خليجية بدأت تفكر فى عملية تنويع مصادر السلاح، لأنها تعتقد أن إسرائيل تحصل على السلاح الأمريكى المتميز والفعال وتحتكره، بينما تحصل هذه الدول على سلاح متخلف عن ذلك، وحتى وإن حصلوا على سلاح متطور فإنهم يحصلون عليه بعد موافقة إسرائيل بشروط مذلة وبأسعار أعلى تكلفة. وأشار «البنتاجون» فى رده على مطلب أوباما بأنه سيكون هناك أكثر من عشرة ملايين مصرى تحت السلاح وأن المجموعات الإرهابية والتنظيمات الإسلامية ستشارك فى ضرب الوجود الأمريكى وضرب إسرائيل حتى ولو هلل الإخوان لهذا التدخل. وأكد التقرير أنه لن يكون هناك حظر للسلاح الأمريكى على مصر، فغالباً ما ستفتح كل دول الخليج مستودعاتها من السلاح الأمريكى لتزويد الجيش المصرى به دون استئذان الولايات المتحدة الأمريكية. وقال التقرير إن موقف دول الخليج تجاه مصر سيكون موقفاً ثابتاً وصامداً ولن يتغير مهما كانت الضغوط التى ستمارسها الولايات المتحدة، لأن هذه الدول تعتبر مصر القوية هى صمام الأمان الأول لها، بالإضافة إلى ذلك ستخرج سوريا من عزلتها وستقف إلى جانب مصر، وهناك بوادر على التنسيق المصرى السورى، فالجيش المصرى يقف ضد أى عدوان على سوريا وهو ضد سقوط الأسد بالقوة، وسوريا تقابله بنفس الموقف، وكل هذا سيعيد العلاقة مع إيران بعد موافقة الدول الخليجية، وسيكون لإيران فى ضوء ذلك دور إقليمى بعد أن تنجح فى تهدئة مخاوف الخليجيين، خصوصاً أن تركيا وإن علا صوتها حالياً فى التحريض ضد مصر إلا أنها لن تجرؤ على المشاركة الفعلية فى أى عدوان على مصر، ولن تسمح باستخدام أراضيها وأجوائها لذلك، وستدفع الثمن باهظاً سواء على المستوى الداخلى من خلال انتفاضات شعبية أو من عدوان خارجى عن طريق تحريض الأكراد فى سوريا والعراق وإيران ضد تركيا. وأكد التقرير أن أى شكل من أشكال التدخل الأمريكى فى مصر سيغير خارطة المنطقة من جديد، وأن وضعاً من عدم الاستقرار سوف يسود لسنوات طويلة، ولكن فى النهاية سوف تصحو المنطقة والعالم، على خارطة تحالفات جديدة تكون أمريكا وإسرائيل أكبر الخاسرين فيها بعد أن يتحقق الاستقرار. وقد أوصى «البنتاجون» فى نهاية تقريره بعدم التدخل المباشر فى الأزمة المصرية حتى ولو بفرض العقوبات أو الحصار لأن ذلك غير مجدٍ، ويشكل استفزازاً لمصر ودول الخليج، خاصة أن السلاح الأمريكى المنوى منعه عن مصر لم يعد احتكارياً، فبإمكان مصر التزود به من الدول الخليجية العربية، ولقد حصلت السعودية على موافقة الدول العربية الخليجية ومن بينها الإمارات والكويت على تمويل صفقات أسلحة جديدة لمصر من أى مصدر كان، والسعودية قادرة بمفردها على تعويض مصر عن المعونة السنوية الأمريكية التى تقدم لها، وهو ما تضمنه البيان السعودى الأخير الذى مثل انقلاباً فى مخططات الغرب والإدارة الأمريكية ضد مصر. وأشار التقرير إلى أن إلغاء مناورات النجم الساطع مع مصر مؤخراً ليس له أى أثر سلبى على مصر، لأن المستفيد الأول هو الجيش الأمريكى وليس الجيش المصرى، ولذا فإن مصر لا تشعر بأى خسارة تذكر من جراء إلغاء هذه المناورات ولكن الخسارة ستكون على الجانب الأمريكى لأنها محاولة تهدف إلى تأزيم وتوتر العلاقات الأمريكية المصرية. وأشار التقرير إلى أن المصلحة الكبرى للولايات المتحدة تقضى ببقاء الوضع الحالى على ما هو عليه، إما بالعودة إلى الطريق الديمقراطى عبر خارطة الطريق كما وافقت على ذلك دول أوروبية محورية وإما بدخول الإدارة المصرية الجديدة والجيش المصرى حرب استنزاف طويلة مع المنظمات الإرهابية والإخوان والسلفيين حتى تستنفد مصر كل مصادر قوتها، وبالمقابل يتم استنزاف كل القوى الإرهابية فى المنطقة وهذا سيشكل خدمة كبيرة لأمريكا وإسرائيل وحلفائهما، حيث ستتحول الدولة الكبرى مصر إلى دولة فاشلة نتيجة هذا الاستنزاف. ودعم «البنتاجون» تقريراً بتفاصيل المشاورات التى أجراها مع الحكومة الإسرائيلية، حيث قام الجنزال «دمسى» رئيس أركان الجيوش الأمريكية بزيارة إلى إسرائيل أكثر من مرة فى الفترة الماضية، كما أن وفوداً عسكرية إسرائيلية عديدة زارت الولايات المتحدة للتشاور فى هذا الشأن. وأن اتصالات عديدة جرت بين وزير الدفاع الأمريكى «هيجل» مع وزير الدفاع الإسرائيلى «موشيه يعلون» وأن موقف «البنتاجون» هذا جاء بالتنسيق والانسجام الكامل مع موقف إسرائيل ليسهل تمريره فى الكونجرس الأمريكى فى حال طرحه لأن مصلحة وأمن إسرائيل هما المعيار الحاسم لدى الكونجرس الأمريكى. وتضمن تقرير «البنتاجون» أيضاً إشارة إلى موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقال إنه إلى جانب موقف دولة الإمارات المتشدد سيقلب الأوضاع رأساً على عقب فى المنطقة بمجملها، وستكون إيران وروسيا هما المستفيد الأول من ذلك وستسقط للأبد معادلة القوى الوسطية أو المعتدلة المتحالفة مع الولايات المتحدة. وأوصى التقرير الرئيس أوباما بأن يحذر الصدام مع قادة الجيش المصرى ومع القيادة السياسية الجديدة فى مصر لأن ذلك ستكون له انعكاسات خطيرة على مصالح أمريكا وإسرائيل فى المنطقة. وطالب التقرير بضرورة تعامل الإدارة الأمريكية مع الأمر الواقع فى مصر والتركيز على تحقيق المصالحة والمضى فى خارطة الطريق، لأن ذلك من شأنه أن يعطى رسالة جيدة لبقية شعوب المنطقة. وأكد التقرير الأمريكى أن المعلومات الواردة من داخل مصر وخارجها تشير إلى سيطرة الإدارة الجديدة على الأوضاع فى البلاد، وإلى تراجع الأداء التنظيمى والاحتجاجى لجماعة الإخوان وحلفائها، مما يعزز من الرأى القائل بضرورة تغيير صورة الولايات المتحدة لدى الشعب المصرى وشعوب المنطقة من دولة معادية إلى دولة صديقة تحترم خيار الشعب المصرى.
الوطن
أثارت التصريحات التى أدلى بها الرئيس الأمريكى باراك أوباما إلى قناة «سى.إن.إن» الأمريكية حول مصر مؤخراً ردود أفعال عديدة، وتساؤلات متعددة حول حقيقة الموقف الأمريكى من الأحداث الحالية على الساحة المصرية. لقد حدد أوباما الموقف الأمريكى على النحو التالى: - أن قطع المساعدات الأمريكية عن مصر لن يجبر الحكومة الانتقالية المصرية على تغيير مواقفها، بما يعنى أن الأمر يحتاج إلى إجراءات أشد قسوة وعنفاً. - أن استمرار الأوضاع فى مصر وفقاً لما هو جارٍ يتعارض مع منظومة القيم الأمريكية وهو يقصد هنا قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. - أن الجيش المصرى فوّت الفرصة على إيجاد حل للأزمة الناشبة فى مصر، أى إن الجيش هو المسئول وليس جماعة الإخوان عن تطورات الأوضاع والعنف السائد فى البلاد حالياً. لقد جاءت تصريحات أوباما منافية للواقع، ومتعارضة مع الحقائق السائدة والمعروفة، والهدف هو إشعال الموقف، خاصة بعد نجاح الحكومة المصرية فى احتواء الموقف والحد من الاعتصامات والتظاهرات وأعمال العنف التى خططت لها جماعة الإخوان مستندة إلى دعم أمريكى وغربى بلا حدود. كانت التقارير الدبلوماسية تصل إلى القاهرة خلال الأيام الماضية، مؤكدة أن هناك اجتماعات سرية عُقدت فى قبرص وألمانيا لتؤكد أن المخطط بدأ يأخذ خطوات جادة بحضور ممثلين عن أجهزة الاستخبارات فى كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وإسرائيل وألمانيا وتركيا وقطر. وكانت الخطة تدور حول عدد من النقاط أبرزها: - تصعيد الموقف الداخلى عبر التظاهرات والاعتصامات وأعمال عنف تؤدى إلى سقوط المزيد من القتلى حتى يظل الموقف متوتراً وملتهباً، بما يمكّن من تنفيذ المخطط الدولى الذى ترعاه هذه الدول ويؤتى نتائجه. - أن كسب الوقت فى مصر فى ضوء استمرار هذه الحالة من شأنه أن يبقى القرار السياسى والاقتصادى المصرى فى حالة شلل. - السعى إلى إجهاض التحركات المصرية على الصعيدين العربى والدولى بما يساعد على حصار الدور الدبلوماسى المصرى ويجعله عاجزاً عن التأثير فى مواقف البلدان الرافضة لتطورات الأوضاع فى مصر. - أن قرار المواجهة الذى اتخذته الإدارة المصرية بفض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة مؤخراً كان مفاجأة غير متوقعة للدول المشاركة، خاصة أن كافة التقارير السابقة أكدت أن الإدارة المصرية لن تجرؤ على فض الاعتصامين فى ضوء المواقف والضغوط الدولية التى كانت تمارَس ضد مصر. - أن رهان الغرب على مواقف الأقباط المصريين كان رهاناً خاسراً، خاصة أن موقفهم تعارض مع مواقف الولايات المتحدة والعديد من البلدان الأخرى بتأييدهم للإدارة الانتقالية ورفضهم الرد على الأحداث التى شهدتها البلاد والتى أدت إلى حرق العشرات من الكنائس والأديرة، حيث كانت الدول الغربية تراهن على موقف الأقباط بطلب الحماية، إلا أنه رغم الاتصالات التى جرت معهم، رفضوا بكل قوة الرد على الإجراءات التى اتُخذت ضدهم، وعارضوا أى شكل من أشكال التدخل الخارجى، كما أنهم بدأوا فى تحريض الكنائس الأمريكية والغربية على دعم الإدارة الانتقالية فى مصر. - أن لجوء جماعة الإخوان وحلفائها فى تصعيد أحداث العنف واستخدام الإرهاب وسيلة ضد المجتمع ومؤسساته المختلفة كان له أبلغ الأثر فى تراجع المخططات الدولية، وإرباك حساباتها، حيث بدت التصرفات الإخوانية على الساحة المصرية وكأنها تشبه التصرفات القبلية الهمجية فى الهجوم بلا حساب وسوء التخطيط وهو ما أدى إلى إفشال فرص كانت متاحة فى ظل حكومة كانت مترددة فى اتخاذ القرار فى هذا الوقت. - أن مراجعة الموقف الغربى والأمريكى بات ضرورة الآن على أن يستند إلى إعادة توحيد وتنسيق المواقف بإشراف موحد. كان هذا هو اللقاء الثالث من سلسلة الاجتماعات التى جرى عقدها فى القاعدة البريطانية فى قبرص وألمانيا والتى أعقبت نجاح الثورة المصرية.. حيث عقدت الاجتماعات فى 2 و8 أغسطس وفى قبرص فى 16 أغسطس فى ألمانيا. إن ذلك الأمر أعاد إلى الأذهان طرح السؤال عن حقيقة الارتباك الذى يسود دوائر صنع القرار فى الولايات المتحدة، وعما إذا كانت واشنطن عازمة بالفعل على تنفيذ هذا المخطط فى ضوء المعارضة الشديدة للعديد من هذه الدوائر وأبرزها: - موقف الخارجية الأمريكية: مع بداية الثورة كانت الخارجية الأمريكية تعظم فى تصريحاتها من التحرك الشعبى المصرى، وتقلل من الحديث عن «الانقلاب» وذلك فى محاولة منها لامتصاص ما يحدث فى مصر، إلا أنها وبعد فشل كافة المبعوثين الأمريكيين والغربيين إلى مصر أصبح موقف الخارجية الأمريكية واضحاً ومعلناً ومنسجماً مع الموقف المتطرف لمستشارة الأمن القومى الأمريكى وبدأ «جون كيرى» وزير الخارجية وبالتنسيق مع مستشارة الأمن القومى «سوزان رايس» فى مطالبة الرئيس أوباما بالبدء فى إعلان العقوبات على مصر بدءًا بقطع المعونات والمساعدات وصولاً للتدخل العسكرى، وهو موقف لعب فيه الأتراك والقطريون دوراً مهماً علنياً وسرياً بهدف إقناع الإدارة الأمريكية بأن ما حدث فى مصر كان «انقلاباً عسكرياً»!! 2- موقف الـ«سى. آى. إيه» أما عن موقف وكالة الاستخبارات الأمريكية الـ«سى. آى. إيه» فقد جاء متفقاً مع موقف الخارجية الأمريكية والأمن القومى فيما يتعلق بوقف المعونات والمساعدات والنشاطات العسكرية المشتركة مع مصر إلا أنه أبدى الحذر من التدخل العسكرى الأمريكى ضد مصر بأى شكل من الأشكال، وعدم النظر لموقف مصر بمفردها، بل لدول المنطقة جميعاً والعالم أيضاً، على اعتبار أنه لو حدث أى تدخل عسكرى فى مصر فإن كافة الأوراق ستتداخل وطبيعة التحالفات ستتغير وستكون المصالح الأمريكية فى خطر، ولا بد من إعداد جبهة عالمية واسعة تغطى مثل هذا التدخل لو حصل، وعلى ما يبدو حتى الآن فإن ذلك غير ممكن فى مصر، وأنه إذا كانت واشنطن قد نجحت فى تشكيل أكبر تحالف عالمى ضد العراق مكّنها من الغزو والتدخل العسكرى المباشر، إلا أن واشنطن لن تجد من يقف معها أو يغطيها فى أى عدوان على مصر مهما كان نوعه أو شكله. ثالثا: موقف وزارة الدفاع أمام هذه الخارطة المعقدة، لجأ الرئيس الأمريكى «أوباما» إلى «البنتاجون» للبحث فى إمكانية اتخاذ قرار بالعقوبات المتدرجة والمتصاعدة على مصر والتفكير لاحقاً بشكل من أشكال التدخل العسكرى المباشر. لقد جاء طلب الرئيس أوباما بعد أن فشلت الإدارة الأمريكية فى إثناء قيادة الجيش عن موقفها الرافض للتجاوب معها، خاصة بعد أن أدركت إدارة أوباما أن تأثيرها وسيطرتها على القرار المصرى آخذة فى التلاشى منذ نجاح ثورة 30 يونيو وأنها لا تستطيع فرض هيمنتها على القرار المصرى، خاصة أن رئيس الدولة المؤقت ورئيس الحكومة ووزير الدفاع يرفضون جميعاً سياسة الإملاءات الأمريكية، ويقولون: إن مصلحة مصر وشعبها هى الأساس. لقد بدأت الإدارة الأمريكية تنظر بريبة إلى الموقف العدائى للجيش وقائده العام الفريق أول السيسى تجاه السياسة الأمريكية، بزعم رفض التدخل الأمريكى فى الشئون المصرية. لقد جاء موقف «البنتاجون» على مطلب الرئيس أوباما على الوجه التالى: - إن كافة أهداف أمريكا ومصالحها فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية ستكون معرضة للخطر الحقيقى حال إقدام واشنطن على اتخاذ قرار بالتدخل العسكرى ضد مصر. وحدد «البنتاجون» هذه المخاطر من حيث الأهمية والترتيب على الوجه التالى: أولاً - أمن إسرائيل: أكد تقرير «البنتاجون» أن أمن إسرائيل سيكون معرضاً للخطر الحقيقى والعدوان من كافة الجبهات المحيطة بها بدءاً من مصر وسوريا ولبنان وغزة وربما الأردن مستقبلاً، ومن المجموعات «الجهادية» أينما وجدت، وسيكون ذلك بتغطية ودعم عربى شامل، كما أن دول الخليج الرئيسية لا يمكن أن تتعامل مع مصر، كما تعاملت مع العراق وسوريا. - أما إيران فسوف تستغل هذه الفرصة وتعمل على إشعال المنطقة وفقاً لمصالحها. وأشار التقرير إلى أن روسيا والصين ستقفان بلا تردد وبكل قوة إلى جانب مصر وتحالفاتها العربية، وسيكون هناك انشقاق فى الموقف الأوروبى، وستخسر الولايات المتحدة بعض حلفائها الأوروبيين الرئيسيين. - وهنا سيكون الجهد الذى حققته الولايات المتحدة فى فك عزلة إسرائيل وفرض وجودها فى المنطقة عبر اتفاقيات سلام معلنة وسرية مع دول عربية عديدة معرضاً للخطر، وسوف تزداد حدة الصراع فى المنطقة ضد إسرائيل، وستعود إسرائيل مجدداً إلى عزلتها فى المنطقة وسينظر إليها كدولة محتلة ومعادية ومارقة، كما أن ذلك من شأنه أن يجعل سوريا والعراق والخليج ولبنان وربما إيران وغيرها تقف صفاً واحداً خلف مصر. ثانياً - عرقلة الوصول الآمن لمصادر الطاقة والنفط: لقد أكد تقرير «البنتاجون» أن الوصول الآمن لكافة مصادر النفط والطاقة سوف يكون ضمن معادلة الخطر لأن كافة حاملات النفط ستكون فى مرمى النيران ومن جهات مختلفة وهو أمر من شأنه أن يعوق وصول الطاقة والنفط إلى دول الغرب والولايات المتحدة بشكل آمن. وإضافة إلى ذلك يرى التقرير أن هناك موقفاً متوقعاً من السعودية ودول الخليج، سوف يجرى بمبادرة من الملك عبدالله بن عبدالعزيز حاكم السعودية سيكون شبيهاً بموقف الملك فيصل فى حرب أكتوبر 1973، ولكن هذه المرة بصورة أشمل وأكبر، وذلك بالإعلان عن وقف تصدير البترول وسيكون ذلك لفترة أطول عن تلك الفترة التى جرى بمقتضاها حظر البترول العربى فى عام 1973، وأن المتضرر الأكبر هذه المرة ستكون دول أوروبا، وأن إيران ستشارك أيضاً فى الحظر مما يجعل أوروبا رهينة للنفط والغاز الروسى. ثالثاً - مخاطر الملاحة الآمنة فى قناة السويس: أشار تقرير «البنتاجون» إلى أن الملاحة الآمنة فى قناة السويس أمر مستبعد فى ظل هذه الظروف الخطيرة والتداعيات التى ستنجم عن أى عدوان عسكرى حيث لا توجد ضمانة لأمن الملاحة والسفن العابرة للقناة مهما تم الحشد من القوات العسكرية لأن الأعمال الإرهابية لا يمكن مواجهتها بزيادة الحشود، بل بالعكس فإن زيادة الحشود العسكرية ستمكن جماعات الإرهاب من توجيه الضربات ونجاحها حيث ستكون القوات الأمريكية أكثر عرضة للاستهداف من خلال عمليات إرهابية انتحارية. وقال التقرير: «يجب أن نستذكر التاريخ جيداً، عندما دفعنا بأعداد كبيرة من قوات المارينز إلى لبنان فى القرن الماضى، وكيف أصبحت هذه القوات أهدافاً للقوى الإرهابية ومدى الخسائر التى لحقت بهذه القوات، مما دعا الإدارة الأمريكية لسحبها وبأسرع وقت ممكن، وكان هذا عنوان هزيمة واضحة للولايات المتحدة». وأشار التقرير إلى أن أمريكا لن تكون اللاعب الوحيد فى المنطقة، ولذلك فإن روسيا والصين وإيران لن تلتزم الصمت فى حال سيطرة الولايات المتحدة على قناة السويس، وستتحول الولايات المتحدة من دولة تسعى إلى استقرار المنطقة إلى دولة محتلة ستعانى إزاء ذلك طويلاً، هذا بالإضافة إلى أن الشعب الأمريكى لا يمكن أن يقبل أو يسمح أن تتحول بلاده إلى قوة غازية من أجل مصلحة وحماية الآخرين، خصوصاً أن الرئيس أوباما وصل إلى البيت الأبيض تحت شعار «سحب آخر جندى أمريكى يعمل خارج الولايات المتحدة الأمريكية والابتعاد ما أمكن عن التدخل المباشر فى مشكلات العالم عبر خوض الولايات المتحدة حروباً بالوكالة». رابعاً - مخاوف من ضياع السوق العربية كسوق مستوردة للسلاح الأمريكى: أشار التقرير الصادر عن «البنتاجون» إلى أهمية المحافظة على الأسواق العربية وأسواق دول منطقة الشرق الأوسط كأكبر مستورد لصفقات السلاح الأمريكى وأن العدوان العسكرى على مصر سيهدد هذه الأسواق، وستكون الصناعة العسكرية والصادرات الأمريكية فى مهب الريح، خصوصاً أن روسيا والصين أصبحتا مؤهلتين وبشكل كامل لمثل هذه الصفقات وهما ينافسان السلاح الأمريكى بجدية، بل وربما تنضم فرنسا إليهما أيضاً. أما الهاجس الأكبر الذى رصده تقرير «البنتاجون» فهو هاجس الصين، ذلك أن الصناعة الصينية أصبحت تغزو معظم الأسواق العربية وهناك رواج عالمى لها من حيث قدرتها على المنافسة مع البضائع الأمريكية والأوروبية من حيث الجودة والأسعار. وقال التقرير «إنه لوحظ خلال السنوات الأخيرة أن معظم «كماليات» الجيوش العربية من ملابس وعتاد بسيط يجرى استيراده من الصين عبر تجار محليين يقومون باستيراده، وهذا الموقف تدعمه وتسانده روسيا لأن روسيا تنظر بإيجابية إلى دور اقتصادى صينى مكمل لدورها العسكرى والسياسى خاصة فى «الباسفيك»، ومع أن دولاً عربية عديدة ومنها دول خليجية بدأت تفكر فى عملية تنويع مصادر السلاح، لأنها تعتقد أن إسرائيل تحصل على السلاح الأمريكى المتميز والفعال وتحتكره، بينما تحصل هذه الدول على سلاح متخلف عن ذلك، وحتى وإن حصلوا على سلاح متطور فإنهم يحصلون عليه بعد موافقة إسرائيل بشروط مذلة وبأسعار أعلى تكلفة. وأشار «البنتاجون» فى رده على مطلب أوباما بأنه سيكون هناك أكثر من عشرة ملايين مصرى تحت السلاح وأن المجموعات الإرهابية والتنظيمات الإسلامية ستشارك فى ضرب الوجود الأمريكى وضرب إسرائيل حتى ولو هلل الإخوان لهذا التدخل. وأكد التقرير أنه لن يكون هناك حظر للسلاح الأمريكى على مصر، فغالباً ما ستفتح كل دول الخليج مستودعاتها من السلاح الأمريكى لتزويد الجيش المصرى به دون استئذان الولايات المتحدة الأمريكية. وقال التقرير إن موقف دول الخليج تجاه مصر سيكون موقفاً ثابتاً وصامداً ولن يتغير مهما كانت الضغوط التى ستمارسها الولايات المتحدة، لأن هذه الدول تعتبر مصر القوية هى صمام الأمان الأول لها، بالإضافة إلى ذلك ستخرج سوريا من عزلتها وستقف إلى جانب مصر، وهناك بوادر على التنسيق المصرى السورى، فالجيش المصرى يقف ضد أى عدوان على سوريا وهو ضد سقوط الأسد بالقوة، وسوريا تقابله بنفس الموقف، وكل هذا سيعيد العلاقة مع إيران بعد موافقة الدول الخليجية، وسيكون لإيران فى ضوء ذلك دور إقليمى بعد أن تنجح فى تهدئة مخاوف الخليجيين، خصوصاً أن تركيا وإن علا صوتها حالياً فى التحريض ضد مصر إلا أنها لن تجرؤ على المشاركة الفعلية فى أى عدوان على مصر، ولن تسمح باستخدام أراضيها وأجوائها لذلك، وستدفع الثمن باهظاً سواء على المستوى الداخلى من خلال انتفاضات شعبية أو من عدوان خارجى عن طريق تحريض الأكراد فى سوريا والعراق وإيران ضد تركيا. وأكد التقرير أن أى شكل من أشكال التدخل الأمريكى فى مصر سيغير خارطة المنطقة من جديد، وأن وضعاً من عدم الاستقرار سوف يسود لسنوات طويلة، ولكن فى النهاية سوف تصحو المنطقة والعالم، على خارطة تحالفات جديدة تكون أمريكا وإسرائيل أكبر الخاسرين فيها بعد أن يتحقق الاستقرار. وقد أوصى «البنتاجون» فى نهاية تقريره بعدم التدخل المباشر فى الأزمة المصرية حتى ولو بفرض العقوبات أو الحصار لأن ذلك غير مجدٍ، ويشكل استفزازاً لمصر ودول الخليج، خاصة أن السلاح الأمريكى المنوى منعه عن مصر لم يعد احتكارياً، فبإمكان مصر التزود به من الدول الخليجية العربية، ولقد حصلت السعودية على موافقة الدول العربية الخليجية ومن بينها الإمارات والكويت على تمويل صفقات أسلحة جديدة لمصر من أى مصدر كان، والسعودية قادرة بمفردها على تعويض مصر عن المعونة السنوية الأمريكية التى تقدم لها، وهو ما تضمنه البيان السعودى الأخير الذى مثل انقلاباً فى مخططات الغرب والإدارة الأمريكية ضد مصر. وأشار التقرير إلى أن إلغاء مناورات النجم الساطع مع مصر مؤخراً ليس له أى أثر سلبى على مصر، لأن المستفيد الأول هو الجيش الأمريكى وليس الجيش المصرى، ولذا فإن مصر لا تشعر بأى خسارة تذكر من جراء إلغاء هذه المناورات ولكن الخسارة ستكون على الجانب الأمريكى لأنها محاولة تهدف إلى تأزيم وتوتر العلاقات الأمريكية المصرية. وأشار التقرير إلى أن المصلحة الكبرى للولايات المتحدة تقضى ببقاء الوضع الحالى على ما هو عليه، إما بالعودة إلى الطريق الديمقراطى عبر خارطة الطريق كما وافقت على ذلك دول أوروبية محورية وإما بدخول الإدارة المصرية الجديدة والجيش المصرى حرب استنزاف طويلة مع المنظمات الإرهابية والإخوان والسلفيين حتى تستنفد مصر كل مصادر قوتها، وبالمقابل يتم استنزاف كل القوى الإرهابية فى المنطقة وهذا سيشكل خدمة كبيرة لأمريكا وإسرائيل وحلفائهما، حيث ستتحول الدولة الكبرى مصر إلى دولة فاشلة نتيجة هذا الاستنزاف. ودعم «البنتاجون» تقريراً بتفاصيل المشاورات التى أجراها مع الحكومة الإسرائيلية، حيث قام الجنزال «دمسى» رئيس أركان الجيوش الأمريكية بزيارة إلى إسرائيل أكثر من مرة فى الفترة الماضية، كما أن وفوداً عسكرية إسرائيلية عديدة زارت الولايات المتحدة للتشاور فى هذا الشأن. وأن اتصالات عديدة جرت بين وزير الدفاع الأمريكى «هيجل» مع وزير الدفاع الإسرائيلى «موشيه يعلون» وأن موقف «البنتاجون» هذا جاء بالتنسيق والانسجام الكامل مع موقف إسرائيل ليسهل تمريره فى الكونجرس الأمريكى فى حال طرحه لأن مصلحة وأمن إسرائيل هما المعيار الحاسم لدى الكونجرس الأمريكى. وتضمن تقرير «البنتاجون» أيضاً إشارة إلى موقف الملك عبدالله بن عبدالعزيز وقال إنه إلى جانب موقف دولة الإمارات المتشدد سيقلب الأوضاع رأساً على عقب فى المنطقة بمجملها، وستكون إيران وروسيا هما المستفيد الأول من ذلك وستسقط للأبد معادلة القوى الوسطية أو المعتدلة المتحالفة مع الولايات المتحدة. وأوصى التقرير الرئيس أوباما بأن يحذر الصدام مع قادة الجيش المصرى ومع القيادة السياسية الجديدة فى مصر لأن ذلك ستكون له انعكاسات خطيرة على مصالح أمريكا وإسرائيل فى المنطقة. وطالب التقرير بضرورة تعامل الإدارة الأمريكية مع الأمر الواقع فى مصر والتركيز على تحقيق المصالحة والمضى فى خارطة الطريق، لأن ذلك من شأنه أن يعطى رسالة جيدة لبقية شعوب المنطقة. وأكد التقرير الأمريكى أن المعلومات الواردة من داخل مصر وخارجها تشير إلى سيطرة الإدارة الجديدة على الأوضاع فى البلاد، وإلى تراجع الأداء التنظيمى والاحتجاجى لجماعة الإخوان وحلفائها، مما يعزز من الرأى القائل بضرورة تغيير صورة الولايات المتحدة لدى الشعب المصرى وشعوب المنطقة من دولة معادية إلى دولة صديقة تحترم خيار الشعب المصرى.
الوطن
0 التعليقات:
إرسال تعليق